” الساخر كوم ”
وكنت قد عدت للتو من جدة .. وفي الطائرة كنت أرى الرمال تتدرج وتتحول لتصبح عمرانا منوعا زاهيا … وما أجمل الرحلة اذا كانت ليلا .. فكأنك تدخل في مجرة جديدة بنجوم وكواكب من تحتك ..
ورائحة المطار وان بدات للزائر لأول مرة رائحة كريهة الا أن التعود يجعلها راحة الراحة لأنها أصبحت كأدخنة الحطب الذي يشير الى أنك قد اقتربت من ديارك… لو كنت بدويا
طريق المطار .. المخارج . الاشارات.. كل شيء تحس بأنك قد اشتقت اليه .. وتعلم ايضا أنك سوف تمل بعد شهرين … انه سحر الرياض لا أعلم ولكنه سحر .. يجعلك دائما تكره وجودك فيها ولكن لا تنكر اشتياقك اليها …
وصلت وبدأت أوضب اشيائي وكأن الأيام بعد أول وصول تسابقك .. فتجد نفسك وقد أكملت الاسبوع الأول وكأنك بالامس قد وصلت …
واذا بالهاتف يرن ..في وقت الظهيرة . بعد كبسة دسمة وكوب من اللبن أفضل أن يرد جهاز التسجيل الجائع أبدا
واذا بي اسمع صوتا وكأنها قناة أجنبية قد فتحت في التلفاز .
ابراهيم لقد وصلت للرياض اليوم وأحببت أن تكون أنت اول من أخبره لانني اشتقت اليك واريد أن اراك .. وانا غاضب جدا لان ؟؟؟؟؟؟؟
وما كاد يكمل حتى توقف التسجيل . ولا تلوموني لانني سبق وأطلت جهاز التسجيل .. فوجدت رسالة لاحد الاصدقاء يخبرني بتفاصيل رحلته الى الثمامة . وكانه لا يسكن معي في نفس المبنى في الشقة المجاورة … كسل منطقي في أجواء تنتشر فيها روائح الكبسات واللبن وعبير البطيخ …
لقد كان تيري هو المتصل ..
ولا أخفيكم بأنني قد قلت في نفسي .. ماذا يريد هذا يبدو أنه قد التصق بي ..
تجاهلت المكالمة . ولكن تيري لم يفقد الأمل .. فمازال يعيد الاتصال بي في أوقات كثيرة ويسجل رقم هاتفه .. فقلت لماذا لا اتصل عليه وارى ماذا يريد ..
والحق ان الكسل قد اصابني وكنت اعتقد انه يريد مني التجوال معه في مدينة الرياض لانني سبق وألمحت له بأنني احفظها شبرا شبرا. ووعدته بأن اعوض عليه زيارته لجدة لانه لم يسفتيد مني شيئا هناك…
الو.. تيري اهلا كيف الحال يا رجل ؛ اعتذر عن التأخر في الرد عليك ولكنني كنت مشغولا مع الاهل والاصدقاء ..
لا عليك فانا توقعت هذا . ولكن هل استطيع مقابلتك اليوم فأنا اريد الجلوس والتحدث اليك…
جميل أين تريد ان نتقابل ..
انت اختر المكان فأنت صاحب الدار …
لم يأتي في بالي أنه يريد مني اختيار مكان غريب . فهذا ما فهمته …؟
اتصلت عليه من أحد المقاهي الحديثة في العليا … واتاني هناك .. وجلسنا وكان يكرر علي دائما : لقد أتيت الى هذا المكان مرارا وتكرارا ..
وأنا كنت ابتسم اليه دون مبالاة .. الى أن قال لي ..
ابراهيم يبدو أنك لم تفهم اريد ان نذهب انا وانت في زياردة الى اماكن لا اعرفها في الرياض .. اريد ان ارى اماكن لم ارها قبلا..
لا بأس اذن دعنا اليوم نجلس هنا وسنذهب الى حيث تريد يا تيري في وقت لاحق او موعد آخر …
ولكن أخبرني ما أخبار اصدقائك في جدة ماذا حدث لهم …
ابدا لقد تشاجرنا بعد آخر لقاء جمعنا .. فانت أثرت بعض الأمور التي كنا دائما نحاول تجنبها أمام الغرباء ..
(لا ادري ولكنني احسست بنوع من الشعور بالسعادة . هل هو شماتة .. ام ماذا لم أكن اعرف لماذا ..)
انتبه تيري الى ابتسامتي . فقال لي يبدو أنك مرتاح جدا ..
نعم فانا احب العاصمة ..
ومذا تحب فيها .. انها غابة من الإسمنت لو انقطع الماء الآتي من المنطقة الشرقية . ستصبح هي الجحيم بعينه…
ارتعشت اوصالي وكأنه اخبرني عن شيء جديد .. لقد سمعت هذا الكلام في أكثر من مناسبة.. ولكن لماذا تضايقت عندما أخبرني به تيري .. لماذا كرهت معرفته بحقيقة الأمر .. لماذا اختنق صدري غضبا …
غيرت الموضوع وقلت له.. ولكنها مدينة جميلة وهادئة . ولو شائت الأقدار ان يحدث مكروه ما فلن يتغير الحال كثيرا.. فنحن ابناء الصحراء … فان ذهبت غابات الإسمنت فلم نكن يوما من الايام في غابات استوائية… انها صحراء تحولت الى غابة جميلة وزاهية وتلك الاشجار الاسمنتية تنتعش بالارواح التي تعيش فيها..
ضحك تيري … يبدو يا ابراهيم انك تضايقت من كلامي .. ولكن صدقني هذه هي الحقيقة .. لقد قرأت دراسة خاصة عن هذا الأمر .
دراسة خاصة .. اين وفي أي جريدة…
لا أبدا انها دراسة خاصة نوع ما في جريدة اجنبية . كتب المقال احد الموظفين السابقين في السفارة حين كان يعمل هنا …
(احدث نفسي غريب ان الدراسات تنشر في الجرائد الخارجية ونحن هنا .ما زلنا آخر من يعلم .. )
تجاهلت الامر .. نعم تيري هناك دراسات أخرى في الجامعة في كلية الزراعة … يمكنك الإطلاع عليها اذا احببت ربما تزيد من معلوماتك بخصوص حاجة المنطقة للماء ..
ابراهيم .. ابراهيم …صديقي … احب فيك ولائك لدولتك ..
وانا احب فيك ولائك لمصالحك
ماذا تعني بهذا
لاشيء
خرجنا من المقهى في وقت متأخر .. وأخذت بالدوران في شوارع الرياض . العليا .. التخصصي .. التحلية … الثلاثين…
كنا نتفرج بصمت .. ولا أعلم لما طالت فترة الصمت تلك … ولكن عند احد الإشارات اعترضت سيارة فاخرة أمامي . لقد تجاوز خطوط المشاة وأوقف السيارة بطريقة وكأنه يقفل الطريق على الجميع ورائه.. كان شابا تبدو عليه علامات البذخ .. صغير في العمر يركب سيارة تتجاوز قيمتها حدود الخمسمائة الف ريال.. وبصراحة هي من السيارات التي أعجز حتى الآن عن حفظ اسمها وماركتها…
تضايقت واطلقت بعض الشتائم بصوت منخفض … ومن ثم قلت : ياليت أحد دوريات المرور قريبة .. وقلتها بلغة انجليزية..
فانفجر تيري ضاحكا ..
لقد تحققت امنيتك قبل ان تقف السيارة أمامك ..
نعم لقد كانت دورية دراجة في الجانب الآخر من الشارع .. يرتكي على مقعدها شاب نحيل الجسم .. يبدو على وجهه الإرهاق ..كان ينظر الى تلك السيارة بطريقة وكانه عاجز ولا يستطيع التحدث … ولكنه غاضب وناقم في نفس ا لوقت .. فهو يتجنب النظر في الآخرين الذين كانوا يبادلونه نظرات اللوم .. فهو يمثل النظام والقانون .. ولكنه صامت عاجز لا يتصرف…
اضاء النور الأخضر وانطلقت السيارة .. وانفتح الطريق أمام الجميع … وكان العسكري مازال يحدق في ألارض ويضرب برجله الرصيف يكاد يحفره..
تحركت ببطيء .. فكم من شخص مثل ذلك الصبي في هذا الوقت بالذات يمارس هواية السرعة ..
نظرت الى تيري .. فوجدته مبتسما …
لماذا تبتسم يا تيري .. هل هي امنيتي التي اضحكتك .
لا أبدا يا ابراهيم … ولكن الامر ليس غريبا عليك ولا علي فابناء الطبقات المميزة هنا لديكم يتغاضى عنهم القانون ..
(استات كثيرا من أن يحدث ها الأمر أمام تيري .. وايضا استغرب من نفسي فربما حدث أمامه كثيرا ولكن في غير وجودي .. فلماذا أغضب .. هل الغيرة الوطنية تجعلني أقف هذا الموقف… هل اعتباري أنه غريب ويجب أن يكون صامتا وانا في موقف القوة … تناقضات شوهت جزءا من شوارع الرياض .. لقد كرهت ذلك الشارع وكرهت ذلك المقهى.. ولقد صدف أن أتيت في يوم آخر من نفس المكان في الصباح الباكر .. لقد كان مكانا رماديا رماديا رماديا .. بكل ما تعنيه الكلمة…)
عدت الى البيت وحاولت النوم كثيرا .. ولكن النوم اتاني في وقت متاخر فوقعت صريعا من التعب وإجهاد التفكير …
كنت أنا وتيري قد تواعدنا على يوم آخر نقضيه في الرياض كاملا .. يريد أن يرى أماكن لم يرها من قبل…
اتى ذلك اليوم.. وكجميع المتناقضات وجدت نفسي متحمس اريد ان اتعرض لمواقف مشابهة.. رغم ألم تلك المواقف في نفسي الا انها كانت لذيذة .. لانني عرفت انها شيء يدل على احساسي الوطني .. يدل على انه مهما كنت معترضا على الكثير من الامور .. سوف أحفظ لبلدي حقها في قلبي.. نعم لقد ادمنت تجريحات تيري .. كان الم لذيذا يذكرني في كل مرة يخترق صدري بانني احب وطني..
تقابلنا أمام مبنى الشركة التي يعمل فيها تيري… وفي هذه المرة طلب مني أن اركب معه لأنه يريد أن يعرف الطرق حين أدله عليها…
ركبنا سيارة .. تكاد تكون مصفحة .. فالباب لا ينغلق بسهولة ..وكذلك زجاج النافذة كان يفتح ببطيء مع أنها سيارة جديدة جدا…
ماهذا يا تيري ان سيارتك تحتاج الى تشحيم …
يضحك هل لاحظت ذلك .. انك شديد الملاحظة .. انها سيارة خاصة بالسفارة .. فأنا هنا قادم في عمل خاص مع الشركة ووفر لي صديق يعمل في السفارة هذه السيارة..
اذن نحن في خطر الايقاف لانها سيارة لا تخصك… كنت فعلا ادعي البلاهة ولقد ا حرجت نفسي .. لان تيري لاحظ ذلك… فكيف سيوقف رجل مرور سيارة تحمل الألواح الخضراء..
ابتسم تيري وقال لا عليك فأنت في سيارتي أكثر أمانا في سيارتك…
بالتأكيد فهي بالكاد تتحرك كانها دبابة عسكرية…
اين تريدنا أن نذهب يا صديقي العزيز ابراهيم .. وكانت هناك نبرة تضايق او نبرة العزم على أمر ما… لم أخف ولكن كنت اعتقد أنه تضايق من ملاحظاتي المتكررة …
فلنبدأ في منفوحة..
مرورا بطريق الملك فهد .. دخلنا في شارع الوزير …. ومن هناك الى منفوحة .. الشارع العام .. غبيرة …
ومن ثم قلت له هذه هي الرياض القديمة حيث كان الأغلبية يجتمعون .. مع قليل من الشرح وحيث كان يسكن لأهل والأصدقاء .. وبعض الطرائف عن مراهقتي هناك… وذكريات اساطير التفحيط … (المرزوق).. وو و اشخاص اخرون تذكرتهم عندما كنت هناك.. ملعب الأبطال الذي تخرج منه لاعبون لأاندية العاصمة كالهلال والأغلبية للنصر .. كنت أشرح ذكرياتي المتعلقة بهذه الأماكن والحارات
.. ابراهيم .. يبدو أن هذا ما يدعون بالداون تاون … Down Town وهو مسمى يطلق في امريكا على اسفل المدينة بمعنى الاحياء القديمة التي تكثر فيها الجرائم والعصابات..(. ولا أخفيكم كانت فعلا داون تاون الرياض ..)
ولكن هذا الوصف خرج مرا من فمي حين نطقته أنا .. فالحياة هنا كانت لها ذكريات خاصة .. وليس من الجميل أن نطلق اسما مشابها لهذا ..
تيري تعلم لقد رضيت بتشبيهك نسبيا .. ولكن ليس اطلاقا…
وكيف ذلك..
من حيث ان المكان قديم.. نوعية الاشخاص التي اصبحت تسكن فيه واغلبهم من المقيمين .. من ناحية الاهمال في جميع الخدمات … ولكن مهما كان المكان سيئا في نظرك فهو لا يتجاوز شكلا يخص الابينة والشوارع .. اما الاشخاص والحوادث التي تحصل هنا … ليس هناك اي مقارنة مع ما اراه او اسمعه او شاهدته على الاخبار من جرائم العصابات والمخدرات والاغتصاب ..
نعم يا ابراهيم .. انا لم اقصد ذلك .. قصدت نفس الشيء الذي تتحدث عنه .. ولا احد يشك بمستوى الامن لديكم وقلة الجرائم… ولكن يا ابراهيم .. اريد أن اناقشك في فكرة معينة…
ان تقول عدد الجرائم وتتحدث عن نسبتها في أمريكا وارتفاعها هناك… اين عرفت هذا كله…
من الجرائد والتلفاز..
اذن يا ابراهيم اريد أن اسألك كصديق.. لماذا تضايقت في تلك المرة عندما اخبرتك عن الدراسة التي تخص ضرورة الماء وحاجته في الرياض… اليس الأمر سيان ومتماثل في هذه الحالة..
(بصراحة لقد فوجئت بانه مازال يذكر الموقف .. ولم أعلق الا بأن قلت له..)
لأن الحقيقة يا تيري لم اقرأ في جرائدنا دراسة تشير الى خطورة هذا الأمر وغضبت عندما علمت ان هناك من كتب في هذا الأمر قبل جرائدنا الوطنية…
لكن يا ابراهيم طبيعة الشعب لديكم حساسة جدا لمثل هذه المواضيع وقلقة.. وانت تعرف ان الرياض العاصمة وازدهارها بالدرجة الأولى يعتمد على النمو السكاني .. فلا أعتقد ان الجرائد الرسيمة كما احب أن اسميها يا ابراهيم .. سوف تثير هذه التساؤلات بشكل يدعو للقلق لدى السكان…
ولكن الحقيقة يجب ان تعرف يا تيري .. نحن اصبحنا شعب متقدم ومثقف ويجب أن يوازن بين احتياجاته وضرورياته المستقبلية .. ومن حق كل مواطن ان يخطط بحرص لمستقبله ومستقبل ابنائه… والى متى تظل الحجة على الشعوب العربية بأنه عاطفي وحساس وغير منطقي أو واقعي .. (لقد كنت اتحدث بنبرة الواثق مع ان كلام تيري كان فيه الكثير من الصواب ..)
(و عدت بالذاكرة سريعا اثناء حديثي الى ما فعله الثكير من المواطنيني عندما تعرضت الرياض لصواريخ صدام اثناء ازمة الخليج .. فهناك اشخاص كثير غادروا الرياض وآخرون اشتروا منازل ومزارع في قرى ومدن أخرى بعيدة عن الرياض… وكانت الامور فوضوية لدرجة كبيرة…. ربما لم تكن ظاهرة بدرجة كبيرة الان انها حقيقة حصلت وبسنبة مربكة ومخيفة.. وكأنه هروب جماعي…)
نعم يا ابراهيم كلامك صحيح عندما تكون الخيارت كثيرة .. ولكن اخبرني ها انت في الرياض لماذا لم تسكن جدة .. او الدمام … لانك بكل بساطة تحب الرياض… اذن انت تفكر بقلبك وليس بعقلك…
ربما يا تيري كلام حقيقي .. ولكن لو أن هناك خيارات أخرى كجامعات بمستوى جامعة الملك سعود لو كانت فروع الوزارات تؤدي اعمالها بدون الرجوع الى الوزارة المركزية.. لو ان الادرات والمصالح الفرعية .. تملك صلاحيات كتلك الممنوحة للإدارات المركزية في الرياض.. لو أن حجم التدفق المالي للشركات ورؤوس الأموال يعادل ما يحدث هنا في الرياض.. اشياء كثيرة يا تيري لا أملك فيها الخيار .. وكانت الصدف ان كان خيري المنطقي والعقلي حيث وافق خياري القلبي والعاطفي .. اذن هو ليس حجة لتلغي تفكيري وتحاجني بشعوري وتركز عليه
لا بأس يا ابراهيم .. لقد لامست جانبا انت من الصدق وكذلك أنا . ولكن يظل هناك أمور لا تستطيع تغييرها ولا تملك التغيير..
(غيرت الموضوع فلقد كنا قد وصلنا الى الدخل المحدود ولي فيه اصدقاء كثر .. وهو كثيرا ما يشابه في تركيبته السكانية احياء أخرى في شرق الرياض .. كالروضة والنسيم …)
ها نحن يا تيري في منطقة تسمى الدخل المحدود .. وسميت كذلك نسبة لطريقة الحصول على الارضي والقروض الخاصة ببناء هذه المنازل,,, وهنا الجميع في أغلبهم ينتمون الى قبائل ومجتمعات قبلية … لذلك تجد ان هذا من الاحياء الأكثر ترابطا في الرياض وما يحدث في جزء منه يسمع عنه البقية في الطرف الآخر .. كما أنه العادات والتقاليد القبلية مازالت مستمرة هنا .. وربما يصل الأمر الى نوع من التعصب بحيث تجد مجموعة من المراهقين ينتمون لقبيلة معينة يتضاربون مع مجموعة أخرى… وان اختلفوا في القبيلة اتفقوا على انهم ابناء حي واحد…
يضحك تيري ويقول لا تغضب يا ابراهيم .. ولكن ما تتحدث عنه يشابه كثيرا بروكلين فهناك العرقيات الايطالية الغالبة وايضا الايرلندية… ويبدو ان التراكيب الاجتماعية في العالم لابد ان تتشابه في كثير من الاحيان…
نعم نعم يا تيري ولكن ان قلت ايطاليا فدعني اذكرك بانهم في اوروبا يلقبونهم بعرب اوروبا..
اذن انتم تجعلون التعصب القبلي والعرق والعائلي صفة خاصة بالعرب حتى انكم تصفون من يمتلك تلك الصفات بالعرب …
ليس لهذه الدرجة .. ولكن انا اتحدث عن المجتمع الامريكي المختلط .. لان اوروبا ما زال وضعها مستقرا فيما يخص العرقيات والاجناس …
نعم والدليل كوسوفو والبوسنة والهرسك..
يبتسم تيري وينزل رأسه .. كانت تلك يا ابراهيم عنصرية دينية ..
ولكن يا تيري انتم اسميتموها في جميع وسائل الاعلام بالابادة العرقية.. فكيف تقول لي ان اوروبا مستقرة …
كنت اقصد ان سكانها لم يختلطوا كثير كامريكا اعذرني على سوء التعبير.. ولكنني احاول ان اقرب الفهم اليك..
لا داعي يا تيري ان تقرب فسياق الحديث دائما يشرح ما يتضمنه …
نعم اعود مرة أخرى يا تيري وأقول لك بروكيلن حي لعصابات المافيا .. حيث القتل والمخدرات والجرائم الشنيعة.. ام الدخل المحدود فهو حي لعوائل بسيطة كل الحالات الاجرامية لا تعتبر ظاهرة كما هناك في امريكا ولكن حالات شاذة…
ابراهيم اعيد عليك واقول دائما تقول لي احصائيات ظاهرة عامة .. حالات شاذة… ولا استطيع ان انكر معلوماتك عن امريكا … ولكن اخبرني هل لديكم مراكز احصائية متخصصة بمثل هذه الأمور… هل هناك مركز وطني للدراسات يجمع البيانات والاستبيانات ويعمل احصائيات معتمدة.. اخبرني
لا يا تيري انت اخبرني لانك تسألني في أمر انت اعلم مني به…
كل ما اسمعه يا ابراهيم دراسات جامعية لطلاب او دكاترة .. لم تتجاوز حدودها والعينات العشوائية فيها مدينة الرياض .. و كل النسب المعلنة تخص مدينة الرياض فقط… ولو كان هناك مراكز لشملت حتى القرى والهجر ..
(…لا ادري ان تيري دائما يكون مصيب في امور لا اجد لها تفسيرا او تبريرا .. لماذا اجد نفسي في موضع الدفاع عن اشياء بالفعل هي غير موجودة .. مازلت اتحدث عن المفروض في واقع يلامسه تيري اكثر مني انا… انهم وانا متاكد من ذلك يتابعون كل المتغيرات على المجتمع السعودي .. وليس المجتمع السعودي بل كل المجتمعات العربية والاسلامية…)
ابراهيم فيما تفكر اين ذهبت بتفكيرك.. ارجوا ان تفاجئني بشيء جديد..
لا ابدا يا تيري بالامس كان رماديا واليوم ازداد لونه تعتيما..
ماهو يا ابراهيم ذلك اللون واين تراه
(..انتبهت لنفسي ولا اعلم لمذا قلت تلك الكلمات .. ابدا ابدا يا تيري لقد دخت من كثرة الدوران في الشوارع واريد العودة الى المنزل ..)
اووه هل انت على مايرام هل تود ان اذهب بك الى الطبيب .. انني املك دخول مدفوع مسبقا الى ثلاث مستشفيات خاصة في الرياض اختر منها ما تشاء…
((اصيح في نفسي .. ااااااه يا تيري سوف تعميني قريبا ياليتك سكت.. وكان مثل ابي يتردد في رأسي ” جا يكحلها اعماها” ..)
لا شكرا فأنا احمل بطاقة تجعلني ادخل الى جميع المستشفيات في وطني …
عظيم هل هي نوع من التامين الصحي ..
لا ليس كذلك
اذن ما هي تلك البطاقة..
بطاقة الاحوال …
يتردد في ضميري ( ان الشميسي يناديني؛ يناديني؛ يناديني…)
تقصد الرعاية الصحة المجانية.. فعلا هي شيء مميز لديكم… ولكنها اذا استمرت بدون تنظيم سوف يتدهور الحال الى الاسوأ وتصبح الرعاية سيئة ..
(..مرة أخرى تختفي امامي الشوارع واستغرق في التفكير..اخاطب نفسي: كانك ترا يا تيري.. انه نظام مازال الجميع يدرسه منذ ان كان خطة خمسية الى ان اصبح خطة مفتوحة المدة …لا اعلم هل تلك الرداسة معقدة لدرجة انها اعجزت الجميع .. ام ان ما تطلبه من مادة لا يعادل ما ستعود به.. ربما العائد المعنوي في صحة المجتمع والشعب ليس مردودا ماديا كافيا لترجيح كفة التوازن بين الربح أو الخسارة.. فأرقام الوفيات لا تدخل في عامل الخسائر كما أن عدد الولادات لا تدخل في عامل الربح.. انها اموال تذهب ان عادت اموال طبقت الخطة الخمسية في خمس ايام .. وعجبي …)
عدنا من حيث اتينا بعد ان مررنا بحي السلي والغالة ( الفيصلية ) .. كنت صامتا طول الطريق وهو يشبه لي الغالة بحي هارلم في امريكا … وهو حي اغلبية السكان فيه من الزنوج الامريكان … ويقول انه نفس الأمر فالحكومة المحلية والفدرالية في امريكا هناك تقصر في واجباتها تجاه تلك الاحياء .. وربما التمييز العنصري لم ينتهي في امريكا … ويبدو انه لم ينتهي لديكم ايضا…
لا اريد ان اتحدث فقط اشير اليه بالعودة وهو في كل مرة يسالني هل احتاج الذهاب الى الطبيب…وانا اشير له بان النوم سوف يفيدني وينهي اوجاعي …
لا يعلم ان الطبيب لن يجد قلبا او كبدا كما كانت .. لقد احترقت قهرا … ان كانت الغالة كما يدعي مهملة بسبب نوع من العنصرية .. فمابال النضيم ايضا … العزيزية في جنوب الرياض..
لماذا تتجه الانظار شمالا ؛ شمالا ؛ شمالا…
يبدو ان خطوط المياه المعدنية وكذلك اسلاك الهاتف والكهرباء النحاسية .. ومجارير الصرف الصحي الحديدية. كلها تسير باتجاه المجال المغناطيسي شمالا؛؛ شمال؛ا شمالا…..
اصر ان يوصلني البيت على ان اعود في وقت لاحق لاخذ سيارتي من امام شركته التي يعمل فيها….
دخلت المنزل وكانني كنت في رحلة استكشاف لمدينة لم ارها في حياتي .. ربما ازال النظارات الشمسية عن عيني .. ربما كنت اتجاهل هذه الامور لتظل الرياض جميلة في عيني …
لم اعد احتمل التفكير لقد رميت بجسدي على الفراش واستغرقت في النوم محاولا نسيان ما حدث ..
لقد انهارت في ذلك اليوم حضارة وتقدم وتطور كنت اراها سابقا…
افقت على رنين الهاتف .. رفعت السماعة .. الو .. بصوت يملأاه النوم والتعب ..
هيا ايها الكسول ان سيارتك سوف تحترق في حرارة الشمس الن تأتي لكي تأخذها …
اهلا تيري الم تتعب لقد عدت الى البيت منهكا …
لا ابدا فانا في اوج نشاطي كما اود ان ادعوك اليوم الى حفل توديعي من السعودية. سوف يكون الحفل في السفارة .. تعال الىالمكتب واخبرك بكل شيء …
لا ادري ولكن مع انني كرهت الذهاب في ذلك اليوم .. الا انني كما قلت مازالت تلك الجروح تشعر بالحاجة الى النزيف …
لبست ثيابي وذهبت الى شركة تيري وصعدت اليه وكنت قد وعدته بأن لا امر الا وقد زرته في مكتبه…
Archived By: Crazy SEO .
0 التعليقات
إرسال تعليق