| 0 التعليقات ]

” الساخر كوم ”

أطبق فمك أو عينيك :

طلب مني كتابة يوميات على الرصيف وأثناء بحثي واستشاراتي حدث موقف لي في الأمس جعلني ألغي كل ما فكرت فيه لاختزل لكم في قصة ذات أبعاد جذابة ما اكتفشت وهو أن هناك مشكلة خطيرة على الحوار الثقافي بين الجنسين الرجل والمرأة .
في يوم ليس ببعيد كنت أبحث عن مطعم يقدم لي بعض الأكلات السعودية حيث أقيم حاليا . وفي ذلك المكان الذي نطلق عليه شارع الجامعة تتناثر جميع أنواع الخدمات الطلابية وقفت أشتم روائح ( الكشنة ) أترنح على الرصيف تدفعني خطواتي الى مكان يحمل لافتة مكتوب عليها ( باب اليمن ) . ومن أدرى بالحنيذ والمظبي والمندي من أبو يمن .
مشيت وأنا احس أخيرا أن معدتي ستعاود نشاطها المعتاد من تلبكات وتشنجات تتلاشى بعلبة من البيبسي ليسري في جسدي قشعريرة الاسترخاء.

وأثناء تسابق كل تلك الخواطر الى ذهني فاجئني صوت عذب يناديني من الخلف . التفت فكانت زميلة في نفس الجامعة . كانت خليجية _ ربما من نفس وطني _ ؛ رغم حسنها وجمالها الملاحظ وأخلاقها المحببة لنفسي ، وأحاديثها الجميلة ، رغم هذا كله ضاقت نفسي بأن قطعت علي اهم عمل خرجت من أجله .

تقدمت وسلمت وتصافحنا ، تخابرنا عن الأحوال وعن الدراسة ومواعيد الامتحانات واختلافات الشُعَب . وانتقل الحديث من نقطة إلى أخرى حتى أحسست بصقيع الرطوبة على الرصيف الذي كان قد أصابه وابل من المطر في هذا الصباح .

دعوتها إلى كأس من القهوة في احد المقاهي القريبة من حيث إقامتها في سكن الطالبات ، وذهبنا الى هناك جلسنا متقابلين وطلبنا القهوة ووجبة خفيفة تسكت ذهني عن التفكير بباب اليمن الذي ما زالت لافتته كالأطياف تمر أمام عيني .

استمر الحديث عن كل الأمور التي تخص الجامعة والغربة ومشاكل السكن وما إلى هناك من أحاديث تجمع طالبان مغتربان لهما نفس الإنتماء . وما أن حضرت القهوة والوجبة الخفيفة ، تناولتها بسرعة لفتت انتباه زميلتي وجعلها تقول لي لماذا لا نطلب الغداء بعد قليل لأنه يبدو عليك الجوع . حاولت تجنب هذا لأنني ما زلت مصمما على طبق من المندي أو لا عشت أبد الدهر . ولكن بنظرة من عينيها الجميلتين وكلمتي رجاء أشارت في أحدها أنها تحس بالوحدة ولا تريد العودة الى السكن وتريد ان تتحدث معي في أمور كثيرة . تنازلت عن أحلامي وأجلتها حتى يوم ترنح آخر على نفس الرصيف .

كان اللقاء جميلا وكان الحوار الثقافي ممتع وكانت معلومات تلك الإنسانة كفيلة بإحراجي في عدة مواقف . ولكن المشكلة في الأمر لم تكن عن ماذا كنا نتحدث أو نتناقش . كانت عن تلك اللحظات التي أغيب فيها عن الوعي خلال الحديث ، فيداها الصغيرتان الناعمتان وابتسامتها الساحرة تسرق مني الانتباه كثيرا وتجعلني افقد خيوط المواضيع التي تنتناقش فيها . تقدمها على الكرسي أو تأخرها كان بعفوية تامة يبرز بعضا من ملامح ذلك الجسد الممتليء تحت الكنزء الصوفية . والشعر المدرج بألوان الشمس عندما يتموج فوق الكتفين أثناء التحمس في الحديث . كل تلك الأمور كان لابد لها أن تجعلني افقد التركيز في عناوين المواضيع المطروحة .

وبعد أن تحدثنا وتناولنا الغداء التفت الي وسألتني ما رأيك . وكانت تشير الى موضوع كنا قد انهينا الحديث فيه أثناء تناول الطعام .
فأجبتها : عزيزتي رأيي أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار ثقافي عقلاني خارج نطاق العطواف والغرائز بين رجل وإمرأة الا في حالتين . إما أن اطبق فمي تماما واتمتع بما أرى . أو اطبق عيني كي أركز فيما اسمع .

ابتسمت وقالت لي أنها لم تتوقع تلك الإجابة واعتذرت بأنها لم تلاحظ هذا في عيني وإلا كانت قد انهت اللقاء مبكرا.

استاذنت الرحيل وعندما همت بالذهاب قلت لها : هل يمكن لي أن اكتب ما حدث اليوم في يوميات على الرصيف . أجابتني أنه من حقي كتابة يومياتي ولا حاجة أن آخذ الإذن منها .
لا أعلم هل كانت تعتقد أنني كنت أعني يومياتي الخاصة
أو أنها لم تمر أبدا بالساخر لتعلم عن أي رصيف كنت أتحدث .

إبراهيم سنان

Archived By: Crazy SEO .

0 التعليقات

إرسال تعليق