| 0 التعليقات ]

” الساخر كوم ”

في حديث عابر مع صديق قومي لوح بيده في وجهي حتى فاق ما ينتج عنها من تيارات هوائية كل ما يحوم حولنا من رياح هذا الشتاء. وتهاوت نفسي المنعزلة والخاملة في بياتها الفكري تحت وطأة كلماته، لم يكن باستطاعتي الرد عليه بأي طريقة لأني كنت أحاول المحافظة على الهواء الساخن في رئتي أكثر وقت ممكن قبل إطلاق الزفرات، كنت أغوص في مقعدي وادفن يدي في معطفي، وهو يملك من حرارة الصيف ما أغبطه عليه.
أين الشتاء من هؤلاء الثوريين ؟
ألا يؤثر عليهم انخفاض درجات الحرارة ؟
كنت اختطف كأس الحليب الساخن من أمامي على الطاولة بأسرع ما أستطيع بين وقفاته المختصرة لالتقاط أنفاسه.
مازلت أتابع حواجبه كيف تصعد وتهبط وكأنها أصبحت شخصا آخر يحدثني معه. كل الخطوط في جبينه اندمجت في خط واحد ساخط واضح كخندق يبتلع كل قطرات العرق المنهمرة من صلعته.
كيف لا تتجمد الأفكار في رأسه المكشوف للعراء ؟
ما هو الشيء الساخن في داخله والذي يحيي كل الغدد العرقية رغما عن فسيولوجية الإنسان الطبيعي في الشتاء ؟
تذكرت صلعتي المسطحة الناعمة كيف تقشعر مع نسائم الصيف العليل؛ لذلك لم أكن أتجرأ على المغامرة بكشفها تحت أي ظرف يشير إلى ريح صرصر باردة.
يضرب بيده على ركبتي، ويطلب من التجاوب معه. لم أكن أعلم تماما ماذا يريد مني قوله بالضبط. ولم أجد كلمات سوى: بالطبع، معك حق، صحيح صحيح.
وكلما كانت الضربات المتتالية على ركبتي أقوى كلما خرجت كلمات أكثر من فمي. ولكنها كثرة كمية وليست كيفية
صحيح بالطبع معك حق
معك حق بالطبع صحيح
معك صحيح حق بالطبع
بالطبع معك صحيح حق
لم يكن ينتبه إلى هذياني ولكن أحد اجفانه بدأ يجفل مما أربكني وتوقعت أن يكتشف ما أقوله
سارعت إلى العودة معه على نفس مسار النقاش ولم أجد أين ابدأ فعدت التقط في كل هذا الحديث بعض رموز الموضوع وحاولت استعادة أجواء الحديث مع صاحبي المتحمس أمامي
فكان منها

أمريكا
العراق
صدام
بوش
العرب
الإسلام

نعناع.
توقفت عند الكلمة الأخيرة كثيرا ولم أجد لها مكانا محتملا لأي موضوع يمكن لصاحبي أن يناقشه. ما الذي أتى في هذه الكلمة بين هذه المصطلحات. استجمعت ما أستطيع من نشاط يزعج خمولي الشتوي وكآبتي المحببة إلى نفسي. وبدأت أكون من تلك الكلمات كل ما أستطيع وأتوقعه من صديقي. فكانت خليط من المقالات والخطابات والمناظرات السياسية والدينية والقومية والعقائدية. لم يكن صعبا علي أبدا أن ارمي بأي موضوع في أي لحظة.
ولكنني عندما اصل إلى الكلمة الأخيرة يتوقف ذهني عن العمل وتتحطم كل امكاناتي العقلية.
كيف يمكن للنعناع أن يدخل في ضمن تلك القائمة الطويلة من المقالات والخطابات.
وفي لحظة واحدة بدأت أفكر فيها عن سبب هذه الكلمة. فتحطمت كل السياسات والقوميات والأيدلوجيات المتناثرة داخل عقلي. لم يعد هناك سوى كلمة ( نعناع ) ووجه صاحبي.
تراجعت قليلا إلى الخلف وسحبت ركبتي القريبة من يده. وأبعدت من فوق الطاولة كل ما يمكن له التقاطه واستخدامه كأداة قتل مع سبق الإصرار والترصد.
نظرت إلى وجهه المتشنج وأطلقت ابتسامة لا اعرف لها معنى سوى طلب المغفرة والسماح لما سيأتي بعدها.
وكان من حظي أنه توقف لوهلة يلتقط نفسا قويا يبدو أنه سيكون مقدمة صرخة وطنية أو قومية أو دعوة متوجهة إلى السماء.
سيقول كلمة ينهي بها كل نقاشه مع نفسه باعتبار عدم تواجدي الفكري هناك
سيعبر عن خلاصة كل هذا الحماس
وجدت أنها ستكون الفرصة المناسبة لاستغلالها حيث يمكن أن يضيع في ضجيج صوته كل حديثي
أطلقت الكلمة الشاذة دون أية جملة. رميتها دون أي خبر لها.
ليكون من حظي أن يصرخ صاحبي مناديا الصبي العامل في المقهى مستخدما نفس الكلمة
أين النعناع يا حيوان.

:D:

إبراهيم سنان

Archived By: Crazy SEO .

0 التعليقات

إرسال تعليق