| 0 التعليقات ]

” الساخر كوم ”

عندما تعلمت الالتفات استجابة لتلك الكلمة لم أكن أعلم ماذا تعني ، وحتى لو علمت ما كنت لأتذكر .استغرب كيف أن الذاكرة لا تلتقط من أجمل سنين العمر أية صورة ، ما قبل سن السادسة أو الخامسة ، عالم نراه في الأطفال من حولنا ، ونتسائل هل كنا فعلا يوما في مثل أعمارهم .
صديقي الذي رآني قال لي ممازحا : مستحيل أتخيلك طفل .
قلت له : يعني مولود كذا أنا
قال : ما ادري ، يمكن جاي تقسيط 🙂
وأنا كذلك ، لا أستطيع تخيل ذلك ، ولم أحلم به أيضا .
ربما _ لو كانت الذاكرة تحتفظ بأكبر قدر من ذكريات الطفولة ومراحلها ، لوجدنا سببا كافيا يجعلنا نخجل من كل تصرفاتنا التي أثارتها فينا التغيرات الهرمونية .
( إبراهيم ) تلك هي الكلمة التي تعلمت الالتفات في كل مرة أسمعها ، وحين التحقت بالمدرسة ، قالوا لي هذا يسمى ( اسمك ) ، فظللت أردد دائما أنا اسمي ( إبراهيم ) ، حتى لو لم يسألني الأستاذ ، أو حتى الطلاب ، أقترب من الجميع أخبرهم اكتشافي الجديد ( اسمي ) .
وصاحبه أيضا اكتشاف آخر في عالم الأرقام . ( سبعة ) فقط كذلك ، مجردة من أي تمييز ، ولكن لا حاجة لقول عاما ، أو سنين . فـ ( سبعة ) هو الرقم الذي يجب أن انطقه عندما يقول لي آخر كلمتين ( كم عمرك .؟ ) ، والأرقام كان أعلاها عشرة ، عشرة ( براجونات ) كفيلة بأن تجعلني أمشي في الشارع ملكا .
أخي الصغير أعطيته ورقة نقدية من فئة العشرة ريالات ، رماها في وجهي وأشار بيده أنه يريد خمسة ريالات . أعطيته أخرى فئة الخمسة ، لم يقبلها ، وفي الأخير فهمت ان الورقة الواحدة تعني ريال مهما اختلف الرقم المكتوب عليها ، والحمدلله أن لا أحد في العائلة ( يعطيه وجهاً ) وإلا كان أخذ ورقة من فئة الخمسين وأحضر فيها علبة ( سن توب ) ، واحدة .
هل قلت ( سن توب ) ، كم أنا كاذب ، لقد تحدثت عن نفسي عندما كنت في نفس العمر ، كان الأجدر أن أقول علبة ( رد بول ) ، فهذا الجيل يريد أن يحلق بعيدا ، لأن الأرض غدت أكثر ازدحاما ، يكفي أصغرنا أنه خرج ليرى الجميع من حوله بالغين ، وخرجت انا لأرى رجل وإمرأة بالغين وطفل آخر . وكنت امزمز ( السن توب ) وأردد اسم وعمر ، لم اختار أيا منهما . ولم احسبه أيضا.<O:p</O:p

وفي تلك الفترة كان ( اسمي ) كذبة كبيرة يجب أن اثبتها بصورة لإحدى أوراق الدفتر الأخضر ، ذلك الذي يضع اسم أبي في أوله ، ونحن نأتي في جداول ، تماما يشبه دفتر التموين الذي شاهدته يوما في فيلم مصري .
اسم وجدول مليء بأسماء الأصناف التي يمكن له الحصول عليها .
زوجتان وأخوتي و بالطبع أنا .
سمنة وزيت وسكر .
ذلك الدفتر كان ألما في القلب ، عندما أخرجه أظل أترقب اللحظة التي لا يشاهدني الملاقيف الآخرين في الفصل ، عجيب أمرنا ..! نقول أن العادة والتقليد مكتسبة ، كيف يمكن لمجموعة من الاوغاد في عمر السبع سنين أن يكتسبو مثل عادة البحث عن أسما الأخوات والأمهات . وفي كل مرة تدخل الفصل تسمع الجميع يبشرك عن شادي ، لقد عرفوا اسم أمه واخواته ، وشادي طفل من دولة عربية ، ما أن تسأله عن أي شيء حتى يجيبك .
لم يلقنه احد الكذب .
لم يقل له أحدا ، إذا سألوك عن اسم أمك أو اختك قل لهم شزراً ( مالكم دخل ) . ولا بأس من إضافة ( انقلع ) ، أو اللعب بذكاء ( قول إنت أول ) .
ولذلك كانت تلك الورقة من ذلك الدفتر ، تخرج في أقصى درجات السرية ، حتى أن أحدهم وضعها في ظرف وسلمها إلى الأستاذ ، الذي ضحك مليء فمه ونسف بكل إجراءات السرية ؛ حين قرأ ( جرادة ) ؛ هذا اسم اختك ،..؟ ويضحك .. ونضحك ليس لأن الاسم غريب ، فلكل منا مصيبة كتلك في عالمه ، اسم أشد وقعا على الأذن من ذلك الاسم ، ولكن نضحك على المفهوم العام ، على المنظر العام لناصر ، لقد عرفنا اسم أخته .
أسموها جرادة ، لأن إحدى العجائز أخبرتهم : ان لا طفل سيولد حيا مالم يلقبوه باسم قبيح ، فجمال تلك العائلة جعلهم موضع حسد ، هكذا سمعت الحديث بين نساء الحارة .
وفكرت ، هل يعني أن اسمي دليل على أنني قبيح ولا احد سيصيبني بعين حاسدة …؟
وظلت الأوراق تتساقط ، والعمر يرفعنا إلى السماء . ونحسب أننا سنمسكها يوما . ولم يحالفني الحظ لأكون أحد الأسماء الواردة في تلك اللوحة الإعلانية المسماة ( بطاقة عائلة ) .
وخرجت من الدفتر .
وأصبحت في قطعة بلاستيكية صغيرة وحيدا ( بطاقة الأحوال ) ، سألوني في الأحوال المدنية ما اسمك ( فلم اكتفي بـ ( إبراهيم ) ، بل سردت صفا من الأسماء يتوقف عند آخر المواطنين ، لا أستطيع ذكر جد لم يكن مواطنا ، هكذا اعتقدت ..!
ولم ألمس السماء ، ولم أقترب حتى .
ونسينا الأحلام العامودية .
وظللنا نتذكر كل شيء أفقي ، من عالم كان مليء بكل تصرفاتنا العشوائية الحمقاء ، نمارسها دون علم بخطاها او حتى ضررها على الآخرين ، كنا أطفالا كما يقولون _ وأشك في ذلك _ ، كنا نمارس ألعاب الكبار ، تلك التي لا يرونها ألعابا ، ومازال فينا بعضا من تلك الطفولة ، كذلك الذي أخرج جوازا للسفر لأول مرة ، فحين طلبوا منه مليء خانة ( اسم الأم ) والكل من حوله ينظر إلى القلم في يده ، والموظف يترقب حركة شفتيه ، الكل يريد الاقتناص ، رآهم كذلك فكتب ( سحر ) ، وعند الحدود لم يسألوه عن تلك الكلمة التي كان ينطقها في كل مرة يقدم فيها نفسه ، لم يسألوه عن نفسه ، لم يسألوه عن عمره ، فكل شيء ارتكبه فيه الىخرين مثبت بالتاريخ والتواقيع والاختام ، حتى الشبه الذي لم يختاره ، عينا خاله ، وانف عمه ، وفم جده ، وغباءه هو وحده .
سألوه وكان وحيدا على الحد بين عالمين ، يعتقد انه على وشك الخروج من مازق الاقتناص لأسماء الإناث ، فلم يهتم ، فلا أحد هنا غيره في السيارة ، سألوه عن علامة فارقة حين اشترك في اسمه مع آخر متهم بجرم ، سألوه عن اسم أمه ..!
قال : ( فاطمة ) .
ومن هي ( سحر ) ..؟
ومازال منذ ثلاثة أيام ، في احد السجون ، يفكر من هي ( سحر ) ..؟<O:p</O:p

إبراهيم سنان

Archived By: Crazy SEO .

0 التعليقات

إرسال تعليق